فصل: بَابُ الْعِتْقِ عَلَى الْمَالِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْعِتْقِ عَلَى الْمَالِ:

(قَالَ) رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ مِنْ عُرُوضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ كَذَا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا قَبِلَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِقَبُولِ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْتِزَامَ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ الْعِتْقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ مَالِيَّةَ نَفْسِهِ فَيَبْطُلَ مِلْكُ الْمَالِيَّةِ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى وَتَحْدُثَ الْقُوَّةُ لِلْعَبْدِ بِإِيجَابِ الْمَوْلَى وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْوَلَاءِ بِعِوَضٍ كَانَ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِقَبُولِهِ وَقَدْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلِالْتِزَامِ فِيهَا وَتَأَيَّدَتْ بِالْعِتْقِ، وَيَجُوزُ وُجُوبُ الْمَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى كَمَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِقَبُولِ الطَّلَاقِ وَعَلَى الْقَاتِلِ بِقَبُولِ الصُّلْحِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ وَلِهَذَا كُلُّ مَا يَصْلُحُ الْتِزَامُهُ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ يَصْلُحُ الْتِزَامُهُ عِوَضًا هُنَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَالِ فِي جِنْسِهِ أَوْ مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِاتِّفَاقِهِمَا وَالْمَالُ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِهِ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى إمَّا لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ أَوْ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّ نَفْسِهِ بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تُقْبَلْ وَقَالَ الْعَبْدُ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِقَبُولِهِ الْمَالَ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمَوْلَى وَلِهَذَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا، ثُمَّ الْعَبْدُ يَدَّعِي وُجُودَ الشَّرْطِ بِقَبُولِهِ وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ قُلْت لَك أَمْسِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَلَمْ تَشَأْ وَقَالَ الْعَبْدُ بَلْ قَدْ شِئْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ، وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ إلَّا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَقْبَلْ رَاجِعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَإِذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِذَلِكَ الْمَالِ مِنْهُ مَا بَدَا لَهُ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَالْأَثْمَانِ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّتَهُ عَلَى مَالٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ تَدَعْ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْهَا بَعْدَ حُرِّيَّتِهَا فَكَانَ حُرًّا وَلَيْسَ عَلَى الْحُرِّ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ مُوَرِّثِهِ إذَا مَاتَ وَلَوْ أَعْطَتْهُ فِي حَيَاتِهَا كَفِيلًا بِالْمَالِ الَّذِي أَعْتَقَهَا عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَثَبَتَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَيْهَا بِصِفَةِ الْقُوَّةِ وَالْكَفَالَةُ بِمِثْلِهِ مِنْ الدُّيُونِ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ.
وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا وَلَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ الْمَالَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْقَبُولِ فَيَثْبُتُ لَهُ بِمُقَابَلَتِهِ مِلْكُ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبِ، وَهُنَا الْمَالُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبِ، وَلَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ الْمَوْلَى تَعْلِيقٌ لِعِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَيَكُونُ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُهُ وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ بِالْمَالِ عَتَقَ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَلَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى إيجَادِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا عَلَى إيجَادِ الشَّرْطِ لَا يَتِمُّ الشَّرْطُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْمَوْلَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَتَّصِلُ بِهِ إلَّا بِقَبُولِهِ، وَدَلِيلُ الْوَصْفِ أَنَّهُ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَلَا يَصِيرُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ جَاءَ بِالْمَالِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِأَنَّ حُكْمَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ لَا يَخْتَلِفُ بِمَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ مَالٍ مَعْلُومٍ إلَى الْمَوْلَى فَإِذَا خَلَّى بَيْنَ الْمَالِ وَالْمَوْلَى يَعْتِقُ كَالْمُكَاتَبِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ تَعْلِيقٌ وَبِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَالْمَقْصُودِ كِتَابَةٌ لِأَنَّهُ حَثَّهُ عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ وَرَغَّبَهُ فِي الْأَدَاءِ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ وَلَيْسَتْ الْكِتَابَةُ إلَّا هَذَا وَهَذَا الْمَالُ عِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ فِي زَوْجَتِهِ الطَّلَاقَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَكُونُ بَائِنًا وَأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ وَجَدَ الْمَالَ زُيُوفًا فَرَدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِالْجِيَادِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَوَفَّرْنَا عَلَيْهِ التَّعْلِيقَ فِي الِابْتِدَاءِ لِمُرَاعَاةِ لَفْظِ الْمَوْلَى وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَوَفَّرْنَا عَلَيْهِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ فِي الِانْتِهَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْغُرُورِ عَنْ الْعَبْدِ فَقُلْنَا كَمَا وَضَعَ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْ الْمَوْلَى يَعْتِقُ.
يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِفِعْلٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَمْنَعَ عَبْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَشَاءَ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ يَعْتِقُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ بِالْمَالِ يَعْتِقُ وَهَذَا وَمَا قَبْلَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، وَالْعُذْرُ وَاضِحٌ فَإِنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لَا يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ وَلَكِنْ مَعْنَى الْكِتَابَةِ يَبْطُلُ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ فِيهِ وَإِجْبَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ كَانَ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ فِيهِ فَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ فَأَمَّا قَبْلَ الْبَيْعِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ بَاقٍ كَمَا بَيَّنَّا وَلَسْنَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ الْإِجْبَارَ حِسًّا وَإِنَّمَا نَعْنِي أَنَّ بِمُجَرَّدِ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ يَعْتِقُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُ وَإِذَا أَحْضَرَ الْعَبْدُ الْمَالَ لَا يُمْكِنُ الْمَوْلَى مِنْ أَنْ يَهْرَبَ مِنْهُ ثُمَّ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنْ الْمَالِ دِرْهَمٌ فَهُوَ عَبْدٌ عَلَى حَالِهِ وَلِمَوْلَاهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا.
إلَّا أَنَّ هَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَتَحَيَّرُ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْهُ فَكَمَا يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ إذَا قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ هَذَا.
تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ فِي الْكِتَابَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْأَدَاءُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ هُنَاكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْأَدَاءِ فِي الْمَجْلِسِ هُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ كَمَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْكِتَابَةِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ تَمَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ أَوَّلِ الْبَابِ فَإِنَّ الْعَبْدَ هُنَاكَ عَتَقَ بِالْقَبُولِ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُنَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ فَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى فِيهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا فَأَيُّ الشَّرْطَيْنِ أَتَى بِهِ الْعَبْدُ يَعْتِقُ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِلْزَامِ وَفِي بَيِّنَةِ الْعَبْدِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فَإِنَّمَا إذَا قُبِلَتْ عَتَقَ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ وَلَيْسَ فِي بَيِّنَةِ الْمَوْلَى إلْزَامٌ فَإِنَّهَا وَإِنْ قُبِلَتْ لَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ.
وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا مَعَهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا عَتَقَتْ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَقَدْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ عَنْهَا قَبْلَ هَذَا فَلَا يَسْرِي إلَيْهِ ذَلِكَ الْعِتْقُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ لَا يَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَبَقِيَ وَلَدُهَا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى مُطْلَقًا وَإِنْ أَدَّتْ الْأَلْفَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهَا عَتَقَتْ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى لَمْ يَحْصُلْ بِهَا فَإِنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يَحُثَّهَا عَلَى الِاكْتِسَابِ لِتُؤَدِّيَ مِنْ كَسْبِهَا فَيَمْلِكَ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكًا قَبْلَ هَذَا، وَبِأَدَاءِ مَالِ الْمَوْلَى إلَيْهِ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِثْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَدَّتْ مِنْ كَسْبٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْكَسْبَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَلَوْ أَدَّتْهُ مِنْ كَسْبٍ اكْتَسَبَتْهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَرْجِعْ الْمَوْلَى عَلَيْهَا بِشَيْءٍ آخَرَ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ قَدْ تَمَّ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَقْبُوضُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَمَّ بِأَدَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهَذَا الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى مَرِيضًا حِينَ قَالَ لَهَا إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاكْتَسَبَتْ وَأَدَّتْ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ مَرَضِهِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِهِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ كَسْبَهَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ مِلْكُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَكُونُ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى فِي حُكْمِ الْعِوَضِ حَتَّى إذَا وَجَدَهُ زُيُوفًا اسْتَبْدَلَهُ بِالْجِيَادِ وَلِأَنَّ الضَّرَرَ مُنْدَفِعٌ عَنْ الْوَرَثَةِ حِينَ اسْتَوْفَى الْمَوْلَى مِنْهَا مِقْدَارَ مَالِيَّتِهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ فِيهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَقَبِلَتْ فَهَذِهِ مُكَاتَبَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَتْ وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ ذَلِكَ الشَّهْرَ كَانَ جَائِزًا هَكَذَا فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَا تَكُونُ مُكَاتَبَةً وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَوْ كَسَرَتْ شَهْرًا ثُمَّ أَدَّتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي لَمْ تَعْتِقْ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَبِشُرُوطٍ كَثِيرَةٍ سَوَاءٌ كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِوُجُودِ أَدَاءِ الْمِائَةِ عَشْرَ مَرَّاتٍ فِي عَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ عَلَّقَهُ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَمْ تَكُنْ مُكَاتَبَةً وَلَا تَعْتِقُ إلَّا بِوُجُودِ صُورَةِ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَهُ بِالْأَدَاءِ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ حِينَ جَعَلَ الْمَالَ مُؤَجَّلًا مُنَجَّمًا عَلَيْهِ وَالتَّأْجِيلُ وَالتَّنْجِيمُ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا كَانَ بَيْعًا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ وَالتَّنْجِيمَ لِلتَّيْسِيرِ وَذَلِكَ فِي الْمَالِ الْوَاجِبِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ قَصَدَ إيجَابَ الْمَالِ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَالُ إلَّا بِالْكِتَابَةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَمْ تُؤَدِّهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّتْهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ تَعْتِقْ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا وَبِهَذَا اسْتَشْهَدَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْكِتَابَةِ مِنْ التَّنْجِيمِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَى الْعَبْدِ بَلْ فِيهِ اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ أَدَاءِ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ كِتَابَةً وَقَدْ فَاتَ الشَّرْطُ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ أَدَائِهِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالتَّنْجِيمِ وَإِذَا قَالَ مَتَى أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْأَدَاءِ بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْوَارِثِ فَلَا يُتَوَهَّمُ وُجُودُ الشَّرْطِ بَعْدَ هَذَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى لِتَعْتِقَ بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِكِيَّةِ يَدًا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ وَلَكِنْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى حَتَّى يَعْتِقَ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ إنْ أَدَّيْت أَلْفًا بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِمَالٍ وَالْعِتْقُ بِغَيْرِ مَالٍ فِي صِحَّةِ إيجَابِهِ مِنْ الْمَوْلَى سَوَاءٌ لَوْ قَالَ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي كَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا أَدَّيْت أَلْفًا بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ، إذَا جَاءَتْ بِالْمَالِ فَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهَا وَيُعْتِقَهَا ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ آخَرُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْفَضْلُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَهَذَا وَمَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ سَوَاءٌ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ إذَا أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ أَدَاؤُهُمَا جَمِيعًا الْمَالَ، وَالشَّرْطُ يُقَابِلُ الْمَشْرُوطَ جُمْلَةً وَلَا يُقَابِلُهُ جُزْءًا فَجُزْءًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الْأَلْفِ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُمَا فَلَا يَتِمُّ بِأَدَاءِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ قَالَ الْمُؤَدِّي خَمْسُمِائَةٍ مِنْ عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ بَعَثَ بِهَا صَاحِبِي لِأُؤَدِّيَهَا إلَيْك عَتَقَا لِأَنَّ أَدَاءَ الرَّسُولِ كَأَدَاءِ الْمُرْسَلِ فَيَتِمُّ الشَّرْطُ بِهَذَا وَهُوَ أَدَاؤُهُمَا جَمِيعًا الْمَالَ، فَإِنْ أَدَّاهَا عَنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ لَمْ يَعْتِقَا لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُمَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ هُنَاكَ بَرَاءَتُهُ عَنْ الْمَالِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَدَاءِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَبِلَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ لِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا لِيَعْتِقَا بِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ، فَإِنْ قَالَ أُؤَدِّيهَا إلَيْك عَلَى أَنَّهُمَا حُرَّانِ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْتِقَهُمَا فَقَبِلَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَا وَيَرْجِعُ الْمَالُ إلَى الْمُؤَدِّي، أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّ قَبُولَ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْ الْمَوْلَى إيَّاهُمَا، وَأَمَّا ثُبُوتُ حَقِّ الرُّجُوعِ فَلِأَنَّ عِوَضَ الْعِتْقِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِذَا أَدَّاهَا وَقَالَ هُمَا أَمَرَانِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا إلَيْك عَنْهُمَا فَقَبِلَهَا عَتَقَا لِأَنَّهُ رَسُولٌ عَنْهُمَا فِي الْأَدَاءِ وَأَدَاءُ الرَّسُولِ كَأَدَاءِ الْمُرْسِلِ، وَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ مَتَى أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ إنْ أَدَّيْت أَوْ إذَا أَدَّيْت إذْنٌ مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِذْنِ فَإِنَّهُ حَثَّهُ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ إلَّا بِالِاكْتِسَابِ فَيَكُونُ هَذَا تَرْغِيبًا لَهُ فِي الِاكْتِسَابِ لِيُؤَدِّيَ الْمَالَ وَلَمْ يُرِدْ الِاكْتِسَابَ بِالتَّكَدِّي لِأَنَّهُ يُدْنِي الْمَرْءَ وَيُخَسِّسُهُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ الِاكْتِسَابُ بِالتِّجَارَةِ، وَدَلَالَةُ الْإِذْنِ كَصَرِيحِ الْإِذْنِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إذْنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَإِنْ اكْتَسَبَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَأَدَّى إلَيْهِ أَلْفًا عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَلْفَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ الْمَالِكِيَّةُ يَدًا فِي مَكَاسِبِهِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا سَلَّمَ الْفَضْلَ لَهُ وَهُنَا مَا ثَبَتَ لِلْعَبْدِ حُكْمُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَكَاسِبِهِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا مَعْنَى الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ وَالْغُرُورُ عَنْ الْعَبْدِ وَذَلِكَ فِي قَدْرِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فَأَثْبَتْنَا حَقَّهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى حُطَّ عَنِّي مِنْهَا شَيْئًا أَوْ اقْبَلْ مِنِّي مَكَانَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَحَطَّ عَنْهُ الْمَوْلَى مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ لَمْ يَعْتِقْ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ جَمِيعِ الْمَالِ لَمْ يَعْتِقْ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ أَدَاءِ الْأَلْفِ فَلَا يَتِمُّ بِأَدَاءِ تِسْعِمِائَةٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْمَالَ هُنَاكَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيَتَحَقَّقُ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ سَوَاءٌ أَبْرَأَهُ عَنْ الْكُلِّ أَوْ حَطَّ بَعْضَهُ وَهُنَا لَا مَالَ عَلَى الْعَبْدِ فَالْحَطُّ وَالْإِبْرَاءُ بَاطِلٌ وَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ مِنْهُ لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ إذَا خَدَمْتنِي سَنَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَخَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَتَجَاوَزَ الْمَوْلَى عَمَّا بَقِيَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتِمَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَعْتِقُ بِهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بِعَيْنِهِ وَلَا تَتَحَقَّقُ الْخِدْمَةُ بِهَذَا الصُّلْحِ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى لَهُ عِنْدَ الصُّلْحِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَدَّيْت هَذَا.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا مِنْ الْعُرُوضِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْكِتَابَةِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْكِتَابَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَكِنْ إنْ قَبِلَهُ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْقَبُولِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَلَوْ قَالَ اخْدِمْنِي وَوَلَدِي سَنَةً ثُمَّ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ إذَا خَدَمْتنِي وَإِيَّاهُ سَنَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَمْ يَعْتِقْ بِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتِمَّ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَقَدْ فَاتَ شَرْطُ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي سَنَةً فَقَبِلَ فَهُوَ حُرٌّ وَالْخِدْمَةُ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ بِهَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ الْعِتْقَ هُنَا بِقَبُولِ الْخِدْمَةِ وَفِي الْأَوَّلِ أَوْجَبَ لَهُ الْعِتْقَ بِوُجُودِ الْخِدْمَةِ ثُمَّ الْخِدْمَةُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا فَيَصِحُّ الْتِزَامُهُ دَيْنًا بِمُقَابَلَةِ الْعِتْقِ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ خِدْمَةِ السَّنَةِ مِنْ قِيمَتِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ بِمَا بَقِيَ بِهِ مِنْ الْخِدْمَةِ قَالَ عِيسَى وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا هُنَا يَأْخُذُونَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ خِدْمَةِ السَّنَةِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَيَخْلُفَهُ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَاسْتَوْفَى بَعْضَهَا ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُنَّهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ النَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخِدْمَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّرْطُ أَنْ يَخْدُمَ الْمَوْلَى فَيَفُوتَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا يَفُوتُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةِ السَّنَةِ مِنْ قِيمَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إذَا بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ فَلَا يَفُوتُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يَقُولَ الْخِدْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تُوَرَّثُ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ عَيْنِ الْخِدْمَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلِهَذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتَهُ أَوْ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.